المتحدثة بإسم الغروب
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
نطقت جينيس الاسم التالي ببرودٍ خالٍ من أي انفعال. “قصر النهضة.”
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
تجمّد تاليس لحظة. “أأنتِ… كاهنة قاعة الغروب؟”
تَـــٰــرْجَــٰــمَــٰــة:
نظرت جينيس إلى تاليس المشوش بنظرةٍ خافتة. (أيها الصبي الصغير، ما أرهف حسّك…)
Arisu-san
اقترب من النافذة الخشبية وفتحها، فانهمر نسيمٌ باردٌ فارتجف جسده.
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
لكن جينيس رمقته بنظرةٍ صارمةٍ تحمل في طيّاتها تحذيرًا واضحًا. لم يسعه إلا أن يرفع كتفيه مستسلمًا.
الفصل 54: المتحدثة بإسم الغروب
“ومظلمٌ جدًا.”
…
قطّب تاليس حاجبيه.
كان تاليس، الذي أُثخن جراحًا، محمولًا على ظهر أحد أفراد الحرس الملكي. ورغم الدوار الذي سببه تمايل خطوات الحامل، فقد ظلّ يسير معهم بذات الوتيرة المنتظمة للفصيلة.
مدّت جينيس يدها لتقاطع حديثه قائلةً بصوتٍ هادئٍ منخفض: “لا تقلق. غيلبرت مع جلالته الآن، لديهما أمرٌ عاجلٌ يعالجانِه. أمّا يودل… لا زال حيًّا.”
ألمٌ حادٌّ في كتفه الأيسر وذراعه اليسرى أيقظه من غيبوبته.
لكن فكرةً لمعت في ذهنه فجأة. (أعند من الملك؟!)
(أين أنا؟) حرّك رأسه بقوّة في محاولة لاستعادة وعيه.
لكن جينيس رمقته بنظرةٍ صارمةٍ تحمل في طيّاتها تحذيرًا واضحًا. لم يسعه إلا أن يرفع كتفيه مستسلمًا.
لم يدرك تاليس إلا بعد برهة أنه عاجز عن التفكير بوضوح. كان محاطًا بكتيبةٍ من حرّاس الملك المهرة، تقودهم امرأةٌ ملثّمة برداءٍ غامق اللون، تتقدّمهم بخطواتٍ ثابتةٍ تُعلن الانضباط.
ومع تغيّر ملامحها، واشتداد الصرامة في وجهها، واصل تاليس حديثه بشجاعةٍ خافتة: “لقد لاحظتُ تصرّفك الغريب… حين واجهنا أولئك القتلة، كنتِ… مختلفةً، كأنّكِ رأيتِ شيئًا رهيبًا.”
وعلى الجانب الآخر، كان غيلبرت وجينيس يسيران بجوار المرأة، يتبادلان معها حديثًا خافتًا بالكاد يُسمع. استنشق تاليس نَفَسًا عميقًا، ثم رفع رأسه المثقل بالإعياء لينظر حوله.
فور أن أطلّ من النافذة، رأى الجموع في الأسفل كالنمل، والعربات بحجم الأظافر، والمنازل كصناديق صغيرة، والشوارع كخيوطٍ دقيقةٍ من الفضة. لم يكن شكٌّ أنّ غرفته تقع في مكانٍ شاهقٍ يطلّ على العاصمة بأسرها.
مرّوا بجانب سورٍ ضخمٍ قاتمٍ مائلٍ إلى الرمادي، يمتدّ كأفعىٍ حجريةٍ بلا نهاية. كانت جدرانه منقوشةً بآثار الزمن، متآكلةً في مواضعها، شاهدةً على عمرٍ طويلٍ مضى.
قطّب تاليس حاجبيه.
بخطواتٍ متناغمةٍ، وصل الحرس إلى بوّابةٍ فولاذيةٍ عملاقة، تُدار بآلياتٍ معقّدةٍ من الكابلات والمكابح. وفوقهم، كانت أكثر من عشر مناجق دفاعية منصوبة في أعلى السور، تصوّب نحوهم بحدّةٍ حتى سُمح لهم بالعبور بعد تبادل إشاراتٍ سرّيةٍ مع الحراس القابعين هناك.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com تنفّس تاليس بارتياحٍ عميقٍ، ممزوجٍ بمشاعرٍ غامضة. (حسنًا… لم تكن تلك المرة الأخيرة… الحارس المقنّع نجا.)
فتح تاليس فمه مندهشًا. رفع بصره نحو السماء المكلّلة بالنجوم والمرشوشة بضوء القمر. الأرض تحت قدميه تغيّرت من طينٍ موحلٍ إلى حجارةٍ خشنة، ثم إلى بلاطٍ جميلٍ مصنوعٍ من مادةٍ لم يعرفها. المصابيح الأبدية على الجانبين ازدادت حجمًا وتعقيدًا وسطوعًا كلّما تقدّموا.
لكن لو قال الحقيقة، لظنت جينيس أنه يعاندها. ابتسمت بغمٍ وقالت بنبرةٍ حزينة، “أعلم ما يدور في ذهنك. وأنت محق.
وحين وصلوا، انكشفت أمامه بنايةٌ مهيبةٌ على هيئة هرمٍ ضخمٍ أشبه بمنحدرٍ شامخ. كان الحرّاس الملكيون مصطفّين كل بضع ياردات، والجنود المتجوّلون والخدم المنشغلون يُحيّونهم بانحناءاتٍ خفيفة. هناك أدرك تاليس أنهم بلغوا…
وبينما ما زال مدهوشًا، دفعت جينيس تاليس إلى الداخل.
أعلى وأضخم وأفخم وأشرف مبنى في مدينة النجم الأبدي.
هزّ رأسه ليطرد تلك الأفكار، وركّز على ما قالته جينيس. (انتظري… الحارس السريّ الآخر؟)
ارتخت ملامح تاليس، وخفّض رأسه بهدوء.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com (الآن أدركت…) تمتم تاليس في أسى. (… كنت أنام بأمانٍ أكثر أيام كنت متسولًا صغيرًا طيلة أربع سنواتٍ في المنازل المهجورة القاسية والموحشة.)
…..
ابتسمت المرأة ابتسامةً فاترة وقالت ببرودٍ متعالٍ، “بالطبع. أمك… همم… امرأةٌ جبارةٌ لا يُستهان بها… ألم يخبرك كيسل بذلك؟”
حين استيقظ مرّةً أخرى، كان الصباح قد حلّ.
“حسنًا إذًا… انتظري.”
أدرك تاليس أنه يرتدي ملابس نومٍ خشنةً، ويستلقي فوق سريرٍ حجريٍّ تعلوه وسادةٌ لينة.
تجمد تاليس عاجزًا عن الرد، لكنه لم يستسلم.
تملّكه ذهولٌ طفيف، فحرّك يده اليسرى وكتفه الأيسر الملفوفين بالضمادات. وحين شعر أنّ حاله ليس سيئًا، قفز بخفّةٍ عن السرير، وقد لامست قدماه أرضًا حجريةً باردةً كالجليد.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com (تمامًا كما في حياتي السابقة…)
تسلّل البرد من تحت قدميه كزحفٍ خفيٍّ، فعبس قليلًا، وخطا خطواتٍ قصيرة نحو الجدار الحجري البارد يلمسه ويتفحّص المكان بعينيه.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “أفهَم. حسنًا، يمكنك الانصراف الآن.” ابتسمت الجميلة بسخرية، ولوّحت بالمصباح الأبدي في يدها، فارتجف الضوء على جدران الحجرة الحجرية. “بلّغ كيسل أنني جاهزة.”
كان السقف منخفضًا نسبيًا، ومكوَّنًا من ذات المادة الحجرية التي صيغ منها الجدار والأرض والسرير، ينبعث منه بردٌ صامتٌ كالليل.
وبعد لحظاتٍ قليلة، أطلقت جينيس تنهيدةً طويلة، ثم أرخَت كل توترٍ في ملامحها، لتعود إلى برودها المعهود، تلك المسؤولة الباردة التي اعتاد رؤيتها. وكأنّ ما حدث قبل قليل لم يكن سوى سرابٍ عابر.
اقترب من النافذة الخشبية وفتحها، فانهمر نسيمٌ باردٌ فارتجف جسده.
فور أن أطلّ من النافذة، رأى الجموع في الأسفل كالنمل، والعربات بحجم الأظافر، والمنازل كصناديق صغيرة، والشوارع كخيوطٍ دقيقةٍ من الفضة. لم يكن شكٌّ أنّ غرفته تقع في مكانٍ شاهقٍ يطلّ على العاصمة بأسرها.
لكنّ شمس الشتاء كانت ترسل خيوطها الذهبية عبر النافذة العالية، تغمر الغرفة الحجرية بضوءٍ صامتٍ وباردٍ في آنٍ واحد.
“لقد أمرت الخدم بإعداد الماء الساخن والفطور. نظّف نفسك، فما يزال أمامنا أمرٌ بالغ الأهمية.”
غير أنّ الدفء لم يكن كافيًا — فمقارنةً بقاعة مينديس الدافئة، بدا هذا المكان كقبوٍ منسيٍّ لا يدخله شمسٌ ولا نهار.
أُغلق الباب الحجري بإحكام.
(تمامًا كما في المنازل المهجورة…)
اتسعت عينا تاليس، وتذكر ذاك البناء الهرمي الضخم الذي رآه بالأمس. (ليس غريبًا إذًا أن تكون الغرفة بهذا الارتفاع…)
اضطرب قلب تاليس، وتذكّر المكان الذي عاش فيه أربعة أعوامٍ كاملة. مدّ رأسه إلى الخارج — ثم شهق.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com زمجرت الموظفة بهدوء، ثم تكلّمت بنبرةٍ رسميةٍ مجددًا، غير أن التعب والمرارة أرخيا بظلالهما على وجهها.
فور أن أطلّ من النافذة، رأى الجموع في الأسفل كالنمل، والعربات بحجم الأظافر، والمنازل كصناديق صغيرة، والشوارع كخيوطٍ دقيقةٍ من الفضة. لم يكن شكٌّ أنّ غرفته تقع في مكانٍ شاهقٍ يطلّ على العاصمة بأسرها.
ولمّا استعاد تاليس توازنه، أدرك أنه أُغلق عليه وحده في تلك الغرفة الحجرية.
(تمامًا كما في حياتي السابقة…)
(أمي؟) جمد تاليس في مكانه.
في تلك اللحظة، فُتح الباب الوحيد في الغرفة — بابٌ خشبيٌّ سميكٌ — ودخلت منه المسؤولة الأولى، جينيس بايجكوفيتش.
…..
“السيّدة جينيس؟” قال تاليس بارتياحٍ واضحٍ حين رأى وجهًا المألوف.
فتح تاليس فمه مندهشًا. رفع بصره نحو السماء المكلّلة بالنجوم والمرشوشة بضوء القمر. الأرض تحت قدميه تغيّرت من طينٍ موحلٍ إلى حجارةٍ خشنة، ثم إلى بلاطٍ جميلٍ مصنوعٍ من مادةٍ لم يعرفها. المصابيح الأبدية على الجانبين ازدادت حجمًا وتعقيدًا وسطوعًا كلّما تقدّموا.
“يبدو أنّك تتعافى بسرعةٍ جيدة.” كانت جينيس شاحبة الوجه، يعلوها الإرهاق، لكنها تماسكت بثباتٍ يعكس صلابتها المعتادة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com لكنّ شمس الشتاء كانت ترسل خيوطها الذهبية عبر النافذة العالية، تغمر الغرفة الحجرية بضوءٍ صامتٍ وباردٍ في آنٍ واحد.
(هذا أكثر من مجرّد تعافٍ…) فكّرت جينيس. (لقد طُعن بالأمس بخنجر، واليوم… حتى الأورك لا يتعافون بهذه السرعة!)
التفت تاليس بذهولٍ نحو المرأة التي كانت تدير ظهرها له. كانت تمسك المصباح الأبدي، ثم التفتت ببطءٍ نحوه، فتلألأت عيناه.
تنهدت بعمق.
“لكن… لكنها أمي! من حقي أن أعرف! وسأكافئك!”
“على أيّة حال، جينيس—أعني، السيّدة جينيس!” نسي تاليس الألقاب في استعجاله، وخطا خطوةً للأمام. “بالأمس… يودل وغيلبرت…”
هزّ رأسه ليطرد تلك الأفكار، وركّز على ما قالته جينيس. (انتظري… الحارس السريّ الآخر؟)
مدّت جينيس يدها لتقاطع حديثه قائلةً بصوتٍ هادئٍ منخفض: “لا تقلق. غيلبرت مع جلالته الآن، لديهما أمرٌ عاجلٌ يعالجانِه. أمّا يودل… لا زال حيًّا.”
(انتهى الأمر بهذه السرعة؟! جينيس… أو ذاك الأب، أرسلاني لرؤيتها… ماذا يعني هذا؟) لكن عليه أن يعرف.
(لا زال حيًّا؟) تجمّد تاليس، وعيناه تتسعان. (هل يعني هذا…؟)
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
أدركت جينيس أن كلماتها تجاوزت الحدّ، فسارعت إلى التوضيح: “لقد أصيب بعدّة أسهُمٍ من قوس النشاب، وهو الآن في طور التعافي. ولولا تحذيره المبكر لواحدٍ من حرّاس جلالته السريّين، لما وصل الحرس الملكي في الوقت المناسب.”
ارتخت ملامح تاليس، وخفّض رأسه بهدوء.
تنفّس تاليس بارتياحٍ عميقٍ، ممزوجٍ بمشاعرٍ غامضة. (حسنًا… لم تكن تلك المرة الأخيرة… الحارس المقنّع نجا.)
في تلك اللحظة، فُتح الباب الوحيد في الغرفة — بابٌ خشبيٌّ سميكٌ — ودخلت منه المسؤولة الأولى، جينيس بايجكوفيتش.
تذكّر تاليس حواره مع يودل في الليلة الماضية — الأسئلة التي لم يُجب عنها، والظلال التي تراكمت حوله. ثمّ عاد إلى ذكرى الأطفال الأبرياء الذين قضوا نحبهم في المنازل المهجورة، فغرق قلبه في ظلمةٍ صامتة.
“وصلنا… إلى أين؟” رفع تاليس رأسه وقد سرحت أفكاره، ليجد نفسه في ممرٍّ حجريٍّ فارغٍ معتم، وأمامهما بابٌ مزدوج.
(لماذا؟ لماذا وقف يودل مكتوف اليدين يشاهدهم يموتون؟ هل كان…؟)
التفت تاليس بذهولٍ نحو المرأة التي كانت تدير ظهرها له. كانت تمسك المصباح الأبدي، ثم التفتت ببطءٍ نحوه، فتلألأت عيناه.
تنهد تاليس، وأدرك أنّ الجواب مهما كان، فلن يغيّر شيئًا بعد أن ضحّى يودل بحياته تقريبًا لإنقاذه.
ضحكت المرأة بخفةٍ متهاونة، واستدارت عنه.
لكنّ تلك الشوكة ظلّت مغروسةً في صدره، تؤلمه كلّما حاول نسيانها.
ابتسمت المرأة ابتسامةً فاترة وقالت ببرودٍ متعالٍ، “بالطبع. أمك… همم… امرأةٌ جبارةٌ لا يُستهان بها… ألم يخبرك كيسل بذلك؟”
كان يعلم أنّه لن يستطيع بعد اليوم أن يثق بيودل كما فعل حين لقائه الأوّل.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com أدرك تاليس أنه يرتدي ملابس نومٍ خشنةً، ويستلقي فوق سريرٍ حجريٍّ تعلوه وسادةٌ لينة.
هزّ رأسه ليطرد تلك الأفكار، وركّز على ما قالته جينيس. (انتظري… الحارس السريّ الآخر؟)
اقتربت المرأة ببطء، لكن تاليس عبس، إذ لم يشعر منها بذرةَ وُدٍّ أو لطف. بل كان هناك شيءٌ غريبٌ مضطربٌ يلفها.
تذكّر تلك الفتاة الملثّمة، وسجّل المعلومة في ذهنه. وقبل أن يستوعبها، قفز فكره إلى موضوعٍ آخر: “وهؤلاء القتلة، ودوق كوڤندير…”
…..
تغيرت نظرات جينيس إلى نظرةٍ صارمةٍ، ذكّرته بتلك الأيام التي كانا يتدرّبان فيها سويًا. قالت: “ذلك ليس شأنك بعد الآن. الأمور حُسمت، والأسئلة التي تراودك لن تبقى أسئلةً طويلًا… وثِق بوالدك.”
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
“و… والدي؟”
لكن جينيس رمقته بنظرةٍ صارمةٍ تحمل في طيّاتها تحذيرًا واضحًا. لم يسعه إلا أن يرفع كتفيه مستسلمًا.
استحضر تاليس الكلمة بصعوبة، وكأنها غريبةٌ على لسانه. لم يكن اللامبالاة سببًا، لكن منذ سوق الشارع الأحمر إلى قاعة مينديس، لم يرَ من يُسمّى والده سوى مرةٍ واحدة — تعامل فيها معه بغرابةٍ لا تُنسى.
تنهد تاليس، وأدرك أنّ الجواب مهما كان، فلن يغيّر شيئًا بعد أن ضحّى يودل بحياته تقريبًا لإنقاذه.
قبض تاليس يده بخفة، وسأل بنبرةٍ قَلِقة، “وماذا عنكِ أنتِ؟”
تملّكه ذهولٌ طفيف، فحرّك يده اليسرى وكتفه الأيسر الملفوفين بالضمادات. وحين شعر أنّ حاله ليس سيئًا، قفز بخفّةٍ عن السرير، وقد لامست قدماه أرضًا حجريةً باردةً كالجليد.
تجمدت جينيس لحظة. “أنا؟”
ضحكت المرأة بخفةٍ متهاونة، واستدارت عنه.
رفع تاليس رأسه، تنفّس بعمق، وارتسمت على وجهه ملامح قلقٍ صادق. “نعم، ماذا عنكِ يا سيّدة جينيس؟ في العربة…”
تجمد تاليس عاجزًا عن الرد، لكنه لم يستسلم.
ومع تغيّر ملامحها، واشتداد الصرامة في وجهها، واصل تاليس حديثه بشجاعةٍ خافتة: “لقد لاحظتُ تصرّفك الغريب… حين واجهنا أولئك القتلة، كنتِ… مختلفةً، كأنّكِ رأيتِ شيئًا رهيبًا.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com أدرك تاليس أنه يرتدي ملابس نومٍ خشنةً، ويستلقي فوق سريرٍ حجريٍّ تعلوه وسادةٌ لينة.
ارتجفت جينيس للحظة، ارتجافةً خفيفةً لم يفوتها، كأنها تذكّرت أفظع ذكرى سكنت قلبها يومًا.
كان تاليس، الذي أُثخن جراحًا، محمولًا على ظهر أحد أفراد الحرس الملكي. ورغم الدوار الذي سببه تمايل خطوات الحامل، فقد ظلّ يسير معهم بذات الوتيرة المنتظمة للفصيلة.
كان تاليس يُحدّق بها مذهولًا. التوت ملامح المسؤولة، وبدت وكأنها تُصارع رجفةً تعصف بجسدها، فيما شحب لون وجهها.
تردّد صوتٌ عذبٌ ورقيقٌ مليءٌ بالسحر من وسط الغرفة.
قطّب تاليس حاجبيه.
لم تجبه جينيس، واكتفت بإيماءةٍ غامضةٍ نحوه. “ادخل، أيها الفتى. وكن مؤدبًا.”
وبعد لحظاتٍ قليلة، أطلقت جينيس تنهيدةً طويلة، ثم أرخَت كل توترٍ في ملامحها، لتعود إلى برودها المعهود، تلك المسؤولة الباردة التي اعتاد رؤيتها. وكأنّ ما حدث قبل قليل لم يكن سوى سرابٍ عابر.
“هل كنتِ… آسف، سيدتي، هل كنتِ تعرفين أمي؟” سأل في حيرة، متذكرًا وصية جينيس أن يكون مهذبًا، فبادر باستخدام الألقاب.
نظرت جينيس إلى تاليس المشوش بنظرةٍ خافتة. (أيها الصبي الصغير، ما أرهف حسّك…)
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com سار تاليس خلف جينيس بايجكوفيتش، تطأ قدماه الأرض الحجرية القاسية الخشنة المميزة لقصر النهضة، مارًا بعددٍ لا يُحصى من الغرف الضيقة، الباردة، المعتمة.
زمجرت الموظفة بهدوء، ثم تكلّمت بنبرةٍ رسميةٍ مجددًا، غير أن التعب والمرارة أرخيا بظلالهما على وجهها.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com استحضر تاليس الكلمة بصعوبة، وكأنها غريبةٌ على لسانه. لم يكن اللامبالاة سببًا، لكن منذ سوق الشارع الأحمر إلى قاعة مينديس، لم يرَ من يُسمّى والده سوى مرةٍ واحدة — تعامل فيها معه بغرابةٍ لا تُنسى.
“لقد أمرت الخدم بإعداد الماء الساخن والفطور. نظّف نفسك، فما يزال أمامنا أمرٌ بالغ الأهمية.”
(انتهى الأمر بهذه السرعة؟! جينيس… أو ذاك الأب، أرسلاني لرؤيتها… ماذا يعني هذا؟) لكن عليه أن يعرف.
(وكأن شيئًا لم يحدث… إنها تتعمّد التهرب منه.) عقد تاليس حاجبيه.
التفتت المرأة بدهشة.
لكن جينيس رمقته بنظرةٍ صارمةٍ تحمل في طيّاتها تحذيرًا واضحًا. لم يسعه إلا أن يرفع كتفيه مستسلمًا.
تردّد صوتٌ عذبٌ ورقيقٌ مليءٌ بالسحر من وسط الغرفة.
“حسنًا إذًا… انتظري.”
لكن لو قال الحقيقة، لظنت جينيس أنه يعاندها. ابتسمت بغمٍ وقالت بنبرةٍ حزينة، “أعلم ما يدور في ذهنك. وأنت محق.
“خدم؟” تجمّد تاليس لحظةً، ثم التفت بسرعةٍ إلى الغرفة التي تشبه التابوت أكثر من كونها غرفة نوم.
اقترب من النافذة الخشبية وفتحها، فانهمر نسيمٌ باردٌ فارتجف جسده.
“إذًا، نحن الآن في…”
كانت ترتدي خمارًا داكن اللون، ورداءً يزينه نصفُ شمسٍ حمراء.
أومأت جينيس بتعبٍ ظاهر. “نعم، نحن في أعظم وأهم بناءٍ في مدينة النجم الأبدي — قصر الملوك الأعلون السابقون للكوكبة.”
قطّب تاليس حاجبيه.
نطقت جينيس الاسم التالي ببرودٍ خالٍ من أي انفعال. “قصر النهضة.”
“ومظلمٌ جدًا.”
اتسعت عينا تاليس، وتذكر ذاك البناء الهرمي الضخم الذي رآه بالأمس. (ليس غريبًا إذًا أن تكون الغرفة بهذا الارتفاع…)
ضحكت المرأة بخفةٍ متهاونة، واستدارت عنه.
ثم عبس، وألقى نظرةً متفحصةً حوله. الجدران المتآكلة، الألوان الباهتة، الإضاءة الخافتة، دفءٌ شحيح، أرضية حجريةٌ صلبة، وأرضٌ خشنة. بالمقارنة مع قاعة مينديس، بدا هذا المكان كأحياء الفقراء.
(تمامًا كما في المنازل المهجورة…)
لاحظت جينيس نظراته.
أومأت جينيس بتعبٍ ظاهر. “نعم، نحن في أعظم وأهم بناءٍ في مدينة النجم الأبدي — قصر الملوك الأعلون السابقون للكوكبة.”
“ما بك؟ ألست مرتاحًا؟” شبكت ذراعيها، تراقب تعبير وجهه باهتمام.
“لكنّك لست ابني، ولست ملزمةً بأن أقول لك شيئًا. ثم، لست بحاجةٍ إلى مكافأتك.”
“لا، ليس الأمر كذلك.” لوّح تاليس بيديه سريعًا وهزّ رأسه. أراد أن يقول شيئًا، لكنه في النهاية تنهد بصمتٍ وأطرق رأسه.
تذكّر تاليس حواره مع يودل في الليلة الماضية — الأسئلة التي لم يُجب عنها، والظلال التي تراكمت حوله. ثمّ عاد إلى ذكرى الأطفال الأبرياء الذين قضوا نحبهم في المنازل المهجورة، فغرق قلبه في ظلمةٍ صامتة.
في الواقع، أراد أن يقول إنه لم ينَم نومًا أعمق ولا أهدأ من نومه خلال الأيام العشرين الماضية، فذلك السرير البارد القاسي، والأرضية الخشنة غير المستوية، منحاه شعورًا بالأمان لم يمنحه إياه فراش مينديس الوثيرة.
تذكّر تاليس حواره مع يودل في الليلة الماضية — الأسئلة التي لم يُجب عنها، والظلال التي تراكمت حوله. ثمّ عاد إلى ذكرى الأطفال الأبرياء الذين قضوا نحبهم في المنازل المهجورة، فغرق قلبه في ظلمةٍ صامتة.
(الآن أدركت…) تمتم تاليس في أسى. (… كنت أنام بأمانٍ أكثر أيام كنت متسولًا صغيرًا طيلة أربع سنواتٍ في المنازل المهجورة القاسية والموحشة.)
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com ثم عبس، وألقى نظرةً متفحصةً حوله. الجدران المتآكلة، الألوان الباهتة، الإضاءة الخافتة، دفءٌ شحيح، أرضية حجريةٌ صلبة، وأرضٌ خشنة. بالمقارنة مع قاعة مينديس، بدا هذا المكان كأحياء الفقراء.
لكن لو قال الحقيقة، لظنت جينيس أنه يعاندها. ابتسمت بغمٍ وقالت بنبرةٍ حزينة، “أعلم ما يدور في ذهنك. وأنت محق.
“و… والدي؟”
“قصر الملك الأعلى ليس بذلك البذخ والفخامة والهيبة التي رسمتها في خيالك.”
ارتبك تنفس تاليس قليلًا وقال بتلعثمٍ خفيف: “لا، سيدتي. باستثناء اسمها، والدي… لم يخبرني شيئًا آخر.”
سارت جينيس نحو النافذة، وألقت ببصرها نحو حشود مواطني المملكة الممتدة تحت ظلّ قصر النهضة الشاهق.
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
“بل على العكس تمامًا… هذا القصر، الذي يُفترض أنه مركز المملكة، لا يرقى حتى إلى غرفةِ أحد المواطنين العاديين…”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “كما توقعت… لديك أيضًا عينان رماديتان… تمامًا كأمك.”
وفي اللحظة التالية، رأى تاليس بدهشة أن تلك المرأة المتغطرسة القوية صارت تتحدث بنبرةٍ يغمرها الأسى.
“لكن… لكنها أمي! من حقي أن أعرف! وسأكافئك!”
“ضيقٌ جدًا… شاهقٌ جدًا… باردٌ جدًا.”
تنهد تاليس، وأدرك أنّ الجواب مهما كان، فلن يغيّر شيئًا بعد أن ضحّى يودل بحياته تقريبًا لإنقاذه.
ثم التفتت إلى تاليس بعينين يغشاهما التعقيد.
غطّت المرأة فمها وضحكت بخفة، لكنها سرعان ما تجمّدت، وصارت نبرتها باردةً كالجليد.
“ومظلمٌ جدًا.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com “خدم؟” تجمّد تاليس لحظةً، ثم التفت بسرعةٍ إلى الغرفة التي تشبه التابوت أكثر من كونها غرفة نوم.
…..
لم تجبه جينيس، واكتفت بإيماءةٍ غامضةٍ نحوه. “ادخل، أيها الفتى. وكن مؤدبًا.”
سار تاليس خلف جينيس بايجكوفيتش، تطأ قدماه الأرض الحجرية القاسية الخشنة المميزة لقصر النهضة، مارًا بعددٍ لا يُحصى من الغرف الضيقة، الباردة، المعتمة.
لكن جينيس رمقته بنظرةٍ صارمةٍ تحمل في طيّاتها تحذيرًا واضحًا. لم يسعه إلا أن يرفع كتفيه مستسلمًا.
كان كل الحراس والخدم الذين مروا بهم ينحنون برؤوسهم احترامًا حين تقع أعينهم على جينيس.
تنهد تاليس، وأدرك أنّ الجواب مهما كان، فلن يغيّر شيئًا بعد أن ضحّى يودل بحياته تقريبًا لإنقاذه.
الإضاءة في هذا القصر الهرميّ كانت بائسةً إلى حدٍّ أن المصابيح كانت تُشعل في وضح النهار لتُنير الزوايا البعيدة. وكان الهواء البارد يتسلل من الشقوق بسبب الارتفاع. الميزة الوحيدة لهذا المكان أنه طاردٌ للحشرات. أمّا الممرات الضيقة والأسقف المنخفضة، فكانت تبعث شعورًا بالكآبة والاختناق. أحيانًا، كان يبدو المكان وكأنه بلا حياة.
“لقد أمرت الخدم بإعداد الماء الساخن والفطور. نظّف نفسك، فما يزال أمامنا أمرٌ بالغ الأهمية.”
(هذا المكان…) مدّ تاليس لسانه بدهشةٍ في داخله. (لا يبدو قصرًا على الإطلاق… بل أشبه بضريحٍ ملكي.
(هذا أكثر من مجرّد تعافٍ…) فكّرت جينيس. (لقد طُعن بالأمس بخنجر، واليوم… حتى الأورك لا يتعافون بهذه السرعة!)
(أليست الأهرامات المصرية في حياتي السابقة أضرحةً للملوك، دُفن تحتها مجدُ قرونٍ غابرة؟)
بخطواتٍ متناغمةٍ، وصل الحرس إلى بوّابةٍ فولاذيةٍ عملاقة، تُدار بآلياتٍ معقّدةٍ من الكابلات والمكابح. وفوقهم، كانت أكثر من عشر مناجق دفاعية منصوبة في أعلى السور، تصوّب نحوهم بحدّةٍ حتى سُمح لهم بالعبور بعد تبادل إشاراتٍ سرّيةٍ مع الحراس القابعين هناك.
“لقد وصلنا.” توقفت جينيس فجأة، وقالت ببرودٍ بطيء.
(أمي؟) جمد تاليس في مكانه.
“وصلنا… إلى أين؟” رفع تاليس رأسه وقد سرحت أفكاره، ليجد نفسه في ممرٍّ حجريٍّ فارغٍ معتم، وأمامهما بابٌ مزدوج.
تذكّر تاليس حواره مع يودل في الليلة الماضية — الأسئلة التي لم يُجب عنها، والظلال التي تراكمت حوله. ثمّ عاد إلى ذكرى الأطفال الأبرياء الذين قضوا نحبهم في المنازل المهجورة، فغرق قلبه في ظلمةٍ صامتة.
لم تجبه جينيس، واكتفت بإيماءةٍ غامضةٍ نحوه. “ادخل، أيها الفتى. وكن مؤدبًا.”
مدّت جينيس يدها لتقاطع حديثه قائلةً بصوتٍ هادئٍ منخفض: “لا تقلق. غيلبرت مع جلالته الآن، لديهما أمرٌ عاجلٌ يعالجانِه. أمّا يودل… لا زال حيًّا.”
“ما الذي…” لم يُكمل تاليس عبارته، إذ دفعت جينيس الباب الحجري فجأةً بكل قوتها.
وبينما ما زال مدهوشًا، دفعت جينيس تاليس إلى الداخل.
بوووم!
غطّت المرأة فمها وضحكت بخفة، لكنها سرعان ما تجمّدت، وصارت نبرتها باردةً كالجليد.
شهق تاليس وهو يرى ما خلف الباب — غرفةٌ مظلمة لا يضيئها سوى بضع مصابيح أبديةٍ في الزوايا. أما في الوسط، فكانت امرأةٌ تمسك بمصباحٍ أبديٍّ في يديها وظهرها نحوه.
Arisu-san
وبينما ما زال مدهوشًا، دفعت جينيس تاليس إلى الداخل.
غطّت المرأة فمها وضحكت بخفة، لكنها سرعان ما تجمّدت، وصارت نبرتها باردةً كالجليد.
بوووم!
كانت ترتدي خمارًا داكن اللون، ورداءً يزينه نصفُ شمسٍ حمراء.
أُغلق الباب الحجري بإحكام.
أومأت جينيس بتعبٍ ظاهر. “نعم، نحن في أعظم وأهم بناءٍ في مدينة النجم الأبدي — قصر الملوك الأعلون السابقون للكوكبة.”
ولمّا استعاد تاليس توازنه، أدرك أنه أُغلق عليه وحده في تلك الغرفة الحجرية.
(وكأن شيئًا لم يحدث… إنها تتعمّد التهرب منه.) عقد تاليس حاجبيه.
“إذًا أنت، أيها الفتى؟”
…..
تردّد صوتٌ عذبٌ ورقيقٌ مليءٌ بالسحر من وسط الغرفة.
قبض تاليس يده بخفة، وسأل بنبرةٍ قَلِقة، “وماذا عنكِ أنتِ؟”
التفت تاليس بذهولٍ نحو المرأة التي كانت تدير ظهرها له. كانت تمسك المصباح الأبدي، ثم التفتت ببطءٍ نحوه، فتلألأت عيناه.
“إذًا، نحن الآن في…”
وجهٌ بيضاويٌّ جميل، أسنانٌ ناصعة، وعينان لامعتان. بدت في الثلاثين من عمرها، أقل صرامةً من جينيس، لكنها تفوقها أنوثةً وسحرًا.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com (تمامًا كما في حياتي السابقة…)
كانت ترتدي خمارًا داكن اللون، ورداءً يزينه نصفُ شمسٍ حمراء.
(أمي؟) جمد تاليس في مكانه.
(نصف شمسٍ حمراء؟!)
انحنى تاليس احترامًا وفق ما علمته جينيس. “سيدتي، إن أخبرتِني المزيد عن والدتي، فسأكون ممتنًا غاية الامتنان.”
تجمّد تاليس لحظة. “أأنتِ… كاهنة قاعة الغروب؟”
تجمدت جينيس لحظة. “أنا؟”
“قاعة الغروب؟ هاهاها…” ضحكت الجميلة بخفة، لكن تاليس لم يستشعر في ضحكتها أي دفء، بل لمحةً من البرودة. “دعني أنظر إليك عن قرب، أيها الصغير.”
ثم التفتت إلى تاليس بعينين يغشاهما التعقيد.
اقتربت المرأة ببطء، لكن تاليس عبس، إذ لم يشعر منها بذرةَ وُدٍّ أو لطف. بل كان هناك شيءٌ غريبٌ مضطربٌ يلفها.
التفتت المرأة بدهشة.
انحنت المرأة أمامه قليلًا، وحدّقت بعينيه الضبابيتين.
“بل على العكس تمامًا… هذا القصر، الذي يُفترض أنه مركز المملكة، لا يرقى حتى إلى غرفةِ أحد المواطنين العاديين…”
“كما توقعت… لديك أيضًا عينان رماديتان… تمامًا كأمك.”
نظرت جينيس إلى تاليس المشوش بنظرةٍ خافتة. (أيها الصبي الصغير، ما أرهف حسّك…)
(أمي؟) جمد تاليس في مكانه.
Arisu-san
“هل كنتِ… آسف، سيدتي، هل كنتِ تعرفين أمي؟” سأل في حيرة، متذكرًا وصية جينيس أن يكون مهذبًا، فبادر باستخدام الألقاب.
التفتت المرأة بدهشة.
ابتسمت المرأة ابتسامةً فاترة وقالت ببرودٍ متعالٍ، “بالطبع. أمك… همم… امرأةٌ جبارةٌ لا يُستهان بها… ألم يخبرك كيسل بذلك؟”
تجمّد تاليس لحظة. “أأنتِ… كاهنة قاعة الغروب؟”
ارتبك تنفس تاليس قليلًا وقال بتلعثمٍ خفيف: “لا، سيدتي. باستثناء اسمها، والدي… لم يخبرني شيئًا آخر.”
لكنّ تلك الشوكة ظلّت مغروسةً في صدره، تؤلمه كلّما حاول نسيانها.
“أفهَم. حسنًا، يمكنك الانصراف الآن.” ابتسمت الجميلة بسخرية، ولوّحت بالمصباح الأبدي في يدها، فارتجف الضوء على جدران الحجرة الحجرية. “بلّغ كيسل أنني جاهزة.”
“قصر الملك الأعلى ليس بذلك البذخ والفخامة والهيبة التي رسمتها في خيالك.”
(انتهى الأمر بهذه السرعة؟! جينيس… أو ذاك الأب، أرسلاني لرؤيتها… ماذا يعني هذا؟) لكن عليه أن يعرف.
(أليست الأهرامات المصرية في حياتي السابقة أضرحةً للملوك، دُفن تحتها مجدُ قرونٍ غابرة؟)
(لأن…) أخذ تاليس نفسًا عميقًا. (أنا متأكدٌ تقريبًا أن كل ما هو غريبٌ بي مرتبطٌ بتلك الأم ذات الأصل الغامض.)
▬▬▬ ❃ ◈ ❃ ▬▬▬
انحنى تاليس احترامًا وفق ما علمته جينيس. “سيدتي، إن أخبرتِني المزيد عن والدتي، فسأكون ممتنًا غاية الامتنان.”
“هل كنتِ… آسف، سيدتي، هل كنتِ تعرفين أمي؟” سأل في حيرة، متذكرًا وصية جينيس أن يكون مهذبًا، فبادر باستخدام الألقاب.
غطّت المرأة فمها وضحكت بخفة، لكنها سرعان ما تجمّدت، وصارت نبرتها باردةً كالجليد.
اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَن أَشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ
“حتى والدك لم يخبرك، فلماذا عليّ أنا أن أفعل؟”
ثم التفتت إلى تاليس بعينين يغشاهما التعقيد.
تجمد تاليس عاجزًا عن الرد، لكنه لم يستسلم.
التفتت المرأة بدهشة.
“لكن… لكنها أمي! من حقي أن أعرف! وسأكافئك!”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com ارتجفت جينيس للحظة، ارتجافةً خفيفةً لم يفوتها، كأنها تذكّرت أفظع ذكرى سكنت قلبها يومًا.
ضحكت المرأة بخفةٍ متهاونة، واستدارت عنه.
تذكّر تلك الفتاة الملثّمة، وسجّل المعلومة في ذهنه. وقبل أن يستوعبها، قفز فكره إلى موضوعٍ آخر: “وهؤلاء القتلة، ودوق كوڤندير…”
“لكنّك لست ابني، ولست ملزمةً بأن أقول لك شيئًا. ثم، لست بحاجةٍ إلى مكافأتك.”
رفع يده اليسرى ونظر إلى الندبة الباهتة عليها. تردّد للحظة، ثم تحدث بعزمٍ قاطع، “أنتِ… مصباح السلالة… المصباح الذي استُخدم للبحث عن أقارب والدي… أنتِ من أجرت الفنّ المتسامي! أنتِ الكاهنة العليا لقاعة الغروب… ليسيا!”
اختنق تاليس بالكلمات. طوال حياته، لم يصادف شخصًا كهذا — باستثناء والده.
غطّت المرأة فمها وضحكت بخفة، لكنها سرعان ما تجمّدت، وصارت نبرتها باردةً كالجليد.
(إنها… إنها أعندُ حتى من الملك نفسه.)
ارتبك تنفس تاليس قليلًا وقال بتلعثمٍ خفيف: “لا، سيدتي. باستثناء اسمها، والدي… لم يخبرني شيئًا آخر.”
لكن فكرةً لمعت في ذهنه فجأة. (أعند من الملك؟!)
“ومظلمٌ جدًا.”
بدأ عقله يدور بسرعة. لقد تذكّر شيئًا.
فور أن أطلّ من النافذة، رأى الجموع في الأسفل كالنمل، والعربات بحجم الأظافر، والمنازل كصناديق صغيرة، والشوارع كخيوطٍ دقيقةٍ من الفضة. لم يكن شكٌّ أنّ غرفته تقع في مكانٍ شاهقٍ يطلّ على العاصمة بأسرها.
زفر بعمقٍ ونظر إلى تلك المرأة الجميلة.
(هذا المكان…) مدّ تاليس لسانه بدهشةٍ في داخله. (لا يبدو قصرًا على الإطلاق… بل أشبه بضريحٍ ملكي.
“أفهَم الآن. أعلم من أنتِ.”
(وكأن شيئًا لم يحدث… إنها تتعمّد التهرب منه.) عقد تاليس حاجبيه.
التفتت المرأة بدهشة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com كان يعلم أنّه لن يستطيع بعد اليوم أن يثق بيودل كما فعل حين لقائه الأوّل.
“سمعت والدي وغيلبرت يتحدثان عنك سابقًا.” عقد تاليس حاجبيه متذكرًا ما جرى حين أنقذه يودل وأحضره إلى قاعة مينديس.
لكن لو قال الحقيقة، لظنت جينيس أنه يعاندها. ابتسمت بغمٍ وقالت بنبرةٍ حزينة، “أعلم ما يدور في ذهنك. وأنت محق.
تحدث ببطءٍ، “أتذكّر الآن… أنتِ…”
وبينما ما زال مدهوشًا، دفعت جينيس تاليس إلى الداخل.
رفع يده اليسرى ونظر إلى الندبة الباهتة عليها. تردّد للحظة، ثم تحدث بعزمٍ قاطع، “أنتِ… مصباح السلالة… المصباح الذي استُخدم للبحث عن أقارب والدي… أنتِ من أجرت الفنّ المتسامي! أنتِ الكاهنة العليا لقاعة الغروب… ليسيا!”
“ما الذي…” لم يُكمل تاليس عبارته، إذ دفعت جينيس الباب الحجري فجأةً بكل قوتها.
تبدّل وجه الجميلة ليسيا إلى القبح فجأة، وتحدثت ببطءٍ.
لكنّ تلك الشوكة ظلّت مغروسةً في صدره، تؤلمه كلّما حاول نسيانها.
“أنتَ حقًا ابنُ أمك. ورثتَ دهاءها وذاكرتها على حدٍّ سواء.”
“على أيّة حال، جينيس—أعني، السيّدة جينيس!” نسي تاليس الألقاب في استعجاله، وخطا خطوةً للأمام. “بالأمس… يودل وغيلبرت…”
“نعم، أنا ليسيا أروند. الكاهنة العُليا لقاعة الغروب. الممثلة الوحيدة لتجسيد الغروب في هذا العالم، وأنا أيضًا من سيتحقق من دمك الملكي.”
أدركت جينيس أن كلماتها تجاوزت الحدّ، فسارعت إلى التوضيح: “لقد أصيب بعدّة أسهُمٍ من قوس النشاب، وهو الآن في طور التعافي. ولولا تحذيره المبكر لواحدٍ من حرّاس جلالته السريّين، لما وصل الحرس الملكي في الوقت المناسب.”
“نعم، أنا ليسيا أروند. الكاهنة العُليا لقاعة الغروب. الممثلة الوحيدة لتجسيد الغروب في هذا العالم، وأنا أيضًا من سيتحقق من دمك الملكي.”
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات

 
		 
		 
		 
		 
		