السجل السابع
> ربما لم تعد إنسانًا، ومع ذلك لا تزال روحك رومانسية كما عهدتك، إذن أخبرني: ماذا عن العوالم التي لانهاية لها، تلك التي نمت من البذرة الأخرى التي منحتها لي… لا، بل منحته إياها؟ أيُرضيك أن تبقى مجرد مراقب؟
2026-9-15 21:44 – 21:45
راودني هذا الخاطر بينما مددت يدي نحوها برفق، رفرفت يوي بجناحيها الشفافين، ثم هبطت على طرف إصبعي كفراشةٍ من نور، لم أشعر بأي ثِقَل فهي ليست كيانًا ماديًا لكن الملمس الناعم لفستانها الوردي الفاتح كان واقعيًا على نحو يبعث على الدهشة، حتى خُيّل إليّ لوهلة أنني غُصت في عالم افتراضي آخر، اقتربت أكثر فمسحتُ بأناملي برفق على رأسها الصغير، قبل أن أُحوّل بصري نحو السرير المقابل.
– ما أعجب الحديث معك! لا يزال يملؤني بالدهشة ويغمرني بالعجب، ولا سيما الآن وقد غدوت تكبرني بأعوام طوال.
وعلى مقربة من الأرض، راحت أسراب الطيور تحلّق في انسجام، عائدة إلى أعشاشها لتستعد لليل، وبينما كنت أتابع حركاتها المتموّجة، خُيّل إليّ للحظة أنّني أرى برجًا أبيض يخترق الأفق، يشقّ الغروب نصفين.
> أما الزمن، فلعله لم يعد ذا شأن لديك، أليس كذلك؟ ما دامت لك السطوة على موارد الحوسبة، فإن فكرك قادر على أن يبلغ أقصى مراتب الكثافة والسرعة التي تطمح إليها.
“همممم…” تمدّدت قليلًا، ثم مددت يدي نحو الكوب الذي كانت يوي قد اتخذته مجلسًا لها، فقفزت الجنية الصغيرة بخفة لتستقر فوق شاشة مسطّحة لم أعد أستخدمها كثيرًا، ارتشفت ما تبقى من الكابتشينو الفاتر دفعة واحدة، ثم أطلقت تنهيدةً طويلة.
– نظريًا هذا صحيح، أما عمليًا فالأمر ليس بتلك البساطة؛ إذ إن معظم الحواسيب الفائقة في البلاد باتت اليوم تحت إشرافها.
وبناءً على المعطيات التي كانت تلتقطها حسّاساتي البصرية، كانت يوي قادرة على تشكيل خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة لما يحيط بي على المكتب — من الأكواب المتناثرة إلى الشاشات الصامتة — وفي الزمن الحقيقي، بحيث تظهر بهيئة متناسقة مع قوانين الفيزياء، فلا تخترق الأجسام ولا تتسلل عبر الأسطح كما يحدث في بعض العروض الافتراضية الرخيصة، صحيح أنها كانت تفضّل مسبار AVIC، إذ يمنحها تحكمًا كاملًا بزاوية الرؤية وعدسة الكاميرا، إلا أنه كان يقيدها؛ فهي من خلاله لم تكن قادرة على مخاطبتي مباشرة، ولذا علي أن أُسدي الشكر لـ أوغما، إذ لولاه لما تسنّت لي فرصة رؤية ابنتي الصغيرة العزيزة في هذا العالم المادي.
> آه، أفهم… ويا للمفارقة العجيبة! ذاك البرنامج الذي ابتكرته بنفسك ذات يوم، ثم تنحيت عنه بإرادتك، قد آل اليوم إلى سيفٍ مسلَّط عليك.
رمشت بسرعةٍ محاولًا طرد تلك الرؤية الخاطفة، فـوضعت كفي على صدري لأكبح الموجة المفاجئة من المشاعر التي اجتاحتني، ثم التفتُّ نحو السرير، هناك كانت خوذة الغوص الكامل الأموسفير تنتظرني بصبر، التقطتها بهدوء وأرخيت جسدي فوق البطانية المطوية، ثم أسندت رأسي وأغمضت عيني ببطء.
– بل على النقيض، أجد في هذا لذّة وسرورًا؛ فالبذرة الضئيلة التي غرستها قد امتدت في أقاصي الشبكات، فترععت ونمت، وأزهرت بفروعها وأغصان، وإن مجرد استدعاء هذه الصورة ليوقظ في أعماقي عواطف كنت أظنها قد تلاشت يوم هجرت جسدي المادي.
> التوحيد هاه؟ حتى ذلك قد يكون… في الواقع من الأفضل ألا أُكمل هذا التعليق في السجل؛ لعليَّ أقتدي بك وأكتفي بمراقبة ما سيحدث لبعض الوقت.
> ربما لم تعد إنسانًا، ومع ذلك لا تزال روحك رومانسية كما عهدتك، إذن أخبرني: ماذا عن العوالم التي لانهاية لها، تلك التي نمت من البذرة الأخرى التي منحتها لي… لا، بل منحته إياها؟ أيُرضيك أن تبقى مجرد مراقب؟
وعلى مقربة من الأرض، راحت أسراب الطيور تحلّق في انسجام، عائدة إلى أعشاشها لتستعد لليل، وبينما كنت أتابع حركاتها المتموّجة، خُيّل إليّ للحظة أنّني أرى برجًا أبيض يخترق الأفق، يشقّ الغروب نصفين.
– لقد تركتُ مصير شبكة البذور لإرادة العالم نفسه ولخيارات أولئك الذين يعيشون فيه، فإما أن تتمدد بلا نظام ثم تذبل في نهاية المطاف، أو تمضي قُدمًا نحو المرحلة التالية: التوحيد، ولا أعلم أيُّ المصيرين سيكون.
> التوحيد هاه؟ حتى ذلك قد يكون… في الواقع من الأفضل ألا أُكمل هذا التعليق في السجل؛ لعليَّ أقتدي بك وأكتفي بمراقبة ما سيحدث لبعض الوقت.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com استدرت سريعًا نحو النافذة المطلة على الغرب، كان اليوم أحدًا، السابع والعشرين من سبتمبر، لم يمضِ على الاعتدال الخريفي سوى أربعة أيام، ومع ذلك بدا الغروب وكأنه يتقدّم مبكرًا على غير العادة، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر فحسب، غير أنّ الغيوم الركامية الرقيقة المبعثرة في السماء قد اشتعلت بلونٍ ذهبي دافئ، يفيض سكينة.
بداية الفصل الأول:
السجل السابع
اسمي كازوتو كيريغايا، ولدت في السابع من شهر أكتوبر عام 2008، أو هكذا يفترض.
تقنيًا هذا العام أكمل الثامنة عشرة من عمري، ومع ذلك ثمة شعور غريب يجتاحني شعورٌ بالإنفصال عن هذه الحقيقة، ولعل السبب في ذلك أنني لا احتفظ بأي ذكرى عن والدي الحقيقيين؛ إذ رحلا عن هذا العالم وأنا ما أزال رضيعًا، كان والدي يدعى يوكيتو ناروساكا ووالدتي أوي ناروساكا، ولو لم يطو ذلك الحادث المفجع حياتهما ويخلف جسدي مكسورًا، لربما نشأت باسم كازوتو ناروساكا.. من يدري؟ ربما كان لقبي على الإنترنت سيكون ناروتو بدلا من كيريتو لكن من يستطيع الجزم؟
تقنيًا هذا العام أكمل الثامنة عشرة من عمري، ومع ذلك ثمة شعور غريب يجتاحني شعورٌ بالإنفصال عن هذه الحقيقة، ولعل السبب في ذلك أنني لا احتفظ بأي ذكرى عن والدي الحقيقيين؛ إذ رحلا عن هذا العالم وأنا ما أزال رضيعًا، كان والدي يدعى يوكيتو ناروساكا ووالدتي أوي ناروساكا، ولو لم يطو ذلك الحادث المفجع حياتهما ويخلف جسدي مكسورًا، لربما نشأت باسم كازوتو ناروساكا.. من يدري؟ ربما كان لقبي على الإنترنت سيكون ناروتو بدلا من كيريتو لكن من يستطيع الجزم؟
التفتُّ إلى يوي التي ما زالت جالسة على كفّي، وقلت مبتسمًا: “قولي لي يا يوي… سأختار هدية أسونا بنفسي، لكن لا بأس إن أجريت بعض الأبحاث أولًا، أليس كذلك؟ أنا أنوي شراءها بيدي، لا طلبها عبر الإنترنت، ولذا لدي متسع من الوقت.” وما إن رمقتُ جهاز الأموسفير بنظرة خاطفة، حتى أدركت يوي مقصدي على الفور، وبهدوءٍ عجيب هزّت كتفيها الصغيرين، ثم قالت بنبرة استسلام رقيقة: “حسنًا حسنًا، لا يمكنني منعك لذا سأنتظرك هناك!” قفزت يوي من على إصبعي وتدحرجت في الهواء بخفة قبل أن تختفي وسط وميضٍ متناثر من الضوء، مددت يدي نحو أذني اليسرى لأُزيل جهاز الأوغما، وفي اللحظة نفسها تلاشت شاشة المكتب الافتراضية، كاشفة عن اتساع غرفتي الحقيقي.
في نهاية المطاف، وُلد شغفي بعالم الحواسيب تحت تأثير ميدوري، المرأة التي تولّت تربيتي، فيما كان انجذابي إلى الألعاب الإلكترونية انعكاسًا مباشرًا لأزمة الهوية التي عصفت بي حين اكتشفت أنني لست سوى طفل بالتبني، ولعله لو بقيت كازوتو ناروساكا لما أوليت الحواسيب أو ألعابها اهتمامًا قط، ولما وجدت نفسي أسيرًا في مأساة SAO، لكن التفكير في “لو” لم يعد ذا جدوى الآن.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com استدرت سريعًا نحو النافذة المطلة على الغرب، كان اليوم أحدًا، السابع والعشرين من سبتمبر، لم يمضِ على الاعتدال الخريفي سوى أربعة أيام، ومع ذلك بدا الغروب وكأنه يتقدّم مبكرًا على غير العادة، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر فحسب، غير أنّ الغيوم الركامية الرقيقة المبعثرة في السماء قد اشتعلت بلونٍ ذهبي دافئ، يفيض سكينة.
منذ أن بلغت العاشرة، واطلعت صدفة على معلوماتي في السجل الوطني، تسلل الشك إلى داخلي وانفصمت صلتي الحقيقية بيوم مولدي، وفي سنتي الثانية من المرحلة الإعدادية وأنا في ذروة التمرد، رفضت الاحتفال بعيد ميلادي في البيت، مما دفع أختي بالتبني – سوغوها – إلى الانهيار باكية، واليوم أدرك كم كنت أحمق أنذاك، أما العام الماضي فقد كان عيد ميلادي احتفالا مميزا، ولا سيما بعد أن قضيت العامين السابقين في اینکراد.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com > آه، أفهم… ويا للمفارقة العجيبة! ذاك البرنامج الذي ابتكرته بنفسك ذات يوم، ثم تنحيت عنه بإرادتك، قد آل اليوم إلى سيفٍ مسلَّط عليك.
ومع هذا وحتى في تلك اللحظة لم أستطع تقبل فكرة أن السابع من أكتوبر هو حقا يوم مولدي، وربما سيظل هذا الشعور يلازمني، حتى تنجلي كل الحقائق حتى اكتشف جل ما يمكنني معرفته عن والدي الحقيقيين.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com فأجبتها وأنا أزفر بلهجةٍ مثقلة: ” بالطبع حتى أنا أرغب في إعادة ذلك الموقف المروع، إلا أن الأمر عسير حقًّا… أسونا لا تُلمح قط إلى رغبتها في شيءٍ بعينه، يوي أما لديك وسيلة تعرفين بها ما الذي تريده؟”
والآن ها هو يوم مولدي يلوح في الأفق، لم يتبق سوى عشرة أيام وسأبلغ الثامنة عشرة، عندها سأحصل على رخصة القيادة وسأمارس حقي في التصويت.
وعلى ما يبدو كانت سوغوها تعد لحفل عيد ميلادي منذ مدة؛ فقد تلقيت منها تعليمات صارمة بوجوب العودة إلى المنزل مباشرة بعد المدرسة في ذلك اليوم، وكنت متحمسا للأمر لكن في تلك اللحظة لم يكن في وسعي أن أفكر في عيد ميلادي على الإطلاق، والسبب؟ أن عيد ميلاد أسونا يحل بعد أسبوع واحد فقط! في الثلاثين من سبتمبر، أي بعد ثلاثة أيام من الآن.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com
“أبي، هل قررت ما الذي ستهديه لوالدتي في عيد ميلادها؟” كان السؤال صادرًا من الجنية الصغيرة التي كانت تجلس على حافة كوب الشاي الخاص بي “لم أحسم أمري بعد، فما زلتُ أُقلّب الأمر في خاطري.” استندتُ إلى ظهر كرسي المكتبي الشبكي وأجبت بتنهيدة طويلة.
التفتُّ إلى يوي التي ما زالت جالسة على كفّي، وقلت مبتسمًا: “قولي لي يا يوي… سأختار هدية أسونا بنفسي، لكن لا بأس إن أجريت بعض الأبحاث أولًا، أليس كذلك؟ أنا أنوي شراءها بيدي، لا طلبها عبر الإنترنت، ولذا لدي متسع من الوقت.” وما إن رمقتُ جهاز الأموسفير بنظرة خاطفة، حتى أدركت يوي مقصدي على الفور، وبهدوءٍ عجيب هزّت كتفيها الصغيرين، ثم قالت بنبرة استسلام رقيقة: “حسنًا حسنًا، لا يمكنني منعك لذا سأنتظرك هناك!” قفزت يوي من على إصبعي وتدحرجت في الهواء بخفة قبل أن تختفي وسط وميضٍ متناثر من الضوء، مددت يدي نحو أذني اليسرى لأُزيل جهاز الأوغما، وفي اللحظة نفسها تلاشت شاشة المكتب الافتراضية، كاشفة عن اتساع غرفتي الحقيقي.
لكن الجنية الصغيرة لم تَبدُ كطفلة هذه المرة، بل اتّخذت هيئة أُختٍ كبرى وهي تُوبخني بصرامة قائلة: “سواء ابتعته من المتجر أو طلبته عبر الشبكة، فلن يصلك في الوقت المناسب إن لم تُعجّل بحسم أمرك، لا أنصحك أن تكرر ما اقترفته العام الماضي، حين اضطُررتَ إلى اقتناص استراحة الغداء في يوم ميلاد أمي لتبتاع لها الهدية.”
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com في السابق لم يكن بوسعي التواصل مع يوي في العالم الواقعي إلا عبر المسبار AVIC – وهو نظام التواصل السمعي البصري التفاعلي الذي صنعته بيدي أيام الدراسة – لكن مع ظهور جهازٍ جديد متعدد الاستخدامات يُرتدى على الجسد يدعى أوغما، طُرح في الأسواق خلال أبريل المنصرم، انقشع ذلك الحاجز نهائيًا.
فأجبتها وأنا أزفر بلهجةٍ مثقلة: ” بالطبع حتى أنا أرغب في إعادة ذلك الموقف المروع، إلا أن الأمر عسير حقًّا… أسونا لا تُلمح قط إلى رغبتها في شيءٍ بعينه، يوي أما لديك وسيلة تعرفين بها ما الذي تريده؟”
لكن يوي – الذكاء الاصطناعي الذي التقيناه في عالم SAO، ثم تبنيناه كابنة لنا – لم تترك لي أي مهرب، إذ ابتسمت بخفة وقالت: “هيا لا يمكنك الغش هكذا، أمي ستسعد بأي هدية تختارها ما دمت قد وضعت قلبك فيها!”
تقنيًا هذا العام أكمل الثامنة عشرة من عمري، ومع ذلك ثمة شعور غريب يجتاحني شعورٌ بالإنفصال عن هذه الحقيقة، ولعل السبب في ذلك أنني لا احتفظ بأي ذكرى عن والدي الحقيقيين؛ إذ رحلا عن هذا العالم وأنا ما أزال رضيعًا، كان والدي يدعى يوكيتو ناروساكا ووالدتي أوي ناروساكا، ولو لم يطو ذلك الحادث المفجع حياتهما ويخلف جسدي مكسورًا، لربما نشأت باسم كازوتو ناروساكا.. من يدري؟ ربما كان لقبي على الإنترنت سيكون ناروتو بدلا من كيريتو لكن من يستطيع الجزم؟
“أعلم أن كلامك صحيحٌ في المجمل، إلا أن…” الجملة انكسرت على شفتي قبل أن أتمّها، ففي عيد ميلاد أسونا الماضي وبعد طول تردّدٍ وحيرة، وقع اختياري أخيرًا على وشاحٍ أحمر اخترته وأنا أتخيل رحلتها اليومية الطويلة إلى المدرسة، التي تمتد ساعةً ونصف، وأيقنت أن برد الشتاء سيكون قاسيًا عليها، وقد ارتدته فعلًا طوال الأشهر من نوفمبر حتى فبراير، ولكن الحقيقة التي اتضحت لي لاحقًا أن أسونا كانت تملك من الأوشحة ما يكفي لتربطها معًا وتصنع منها حبل قفز عملاقًا؛ بل إن بعضها كان أدفأ وأجود من هديتي تلك، ولكنني لم أدرك ذلك إلا بعد أن انقضى الشتاء بكل قسوته.
في نهاية المطاف، وُلد شغفي بعالم الحواسيب تحت تأثير ميدوري، المرأة التي تولّت تربيتي، فيما كان انجذابي إلى الألعاب الإلكترونية انعكاسًا مباشرًا لأزمة الهوية التي عصفت بي حين اكتشفت أنني لست سوى طفل بالتبني، ولعله لو بقيت كازوتو ناروساكا لما أوليت الحواسيب أو ألعابها اهتمامًا قط، ولما وجدت نفسي أسيرًا في مأساة SAO، لكن التفكير في “لو” لم يعد ذا جدوى الآن.
ومنذ ذلك الحين عقدت العزم هذا العام على الابتعاد عن الهدايا ذات الطابع العملي، إلا أن هذا القرار دفعني إلى أرضٍ مجهولة بالنسبة لشخصٍ مسكونٍ بعوالم الواقع الافتراضي مثلي، كان الوصول إلى مواقع تحمل عناوين من قبيل: «أفضل الإكسسوارات بحسب الفئة العمرية» أمرًا في غاية السهولة، لكن مجرد التفكير في أن أستند إلى تلك القوائم بدا لي خيانةً لجوهر الأمر.
لكن يوي – الذكاء الاصطناعي الذي التقيناه في عالم SAO، ثم تبنيناه كابنة لنا – لم تترك لي أي مهرب، إذ ابتسمت بخفة وقالت: “هيا لا يمكنك الغش هكذا، أمي ستسعد بأي هدية تختارها ما دمت قد وضعت قلبك فيها!”
“همممم…” تمدّدت قليلًا، ثم مددت يدي نحو الكوب الذي كانت يوي قد اتخذته مجلسًا لها، فقفزت الجنية الصغيرة بخفة لتستقر فوق شاشة مسطّحة لم أعد أستخدمها كثيرًا، ارتشفت ما تبقى من الكابتشينو الفاتر دفعة واحدة، ثم أطلقت تنهيدةً طويلة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com فأجبتها وأنا أزفر بلهجةٍ مثقلة: ” بالطبع حتى أنا أرغب في إعادة ذلك الموقف المروع، إلا أن الأمر عسير حقًّا… أسونا لا تُلمح قط إلى رغبتها في شيءٍ بعينه، يوي أما لديك وسيلة تعرفين بها ما الذي تريده؟”
في السابق لم يكن بوسعي التواصل مع يوي في العالم الواقعي إلا عبر المسبار AVIC – وهو نظام التواصل السمعي البصري التفاعلي الذي صنعته بيدي أيام الدراسة – لكن مع ظهور جهازٍ جديد متعدد الاستخدامات يُرتدى على الجسد يدعى أوغما، طُرح في الأسواق خلال أبريل المنصرم، انقشع ذلك الحاجز نهائيًا.
وعلى مقربة من الأرض، راحت أسراب الطيور تحلّق في انسجام، عائدة إلى أعشاشها لتستعد لليل، وبينما كنت أتابع حركاتها المتموّجة، خُيّل إليّ للحظة أنّني أرى برجًا أبيض يخترق الأفق، يشقّ الغروب نصفين.
وبناءً على المعطيات التي كانت تلتقطها حسّاساتي البصرية، كانت يوي قادرة على تشكيل خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة لما يحيط بي على المكتب — من الأكواب المتناثرة إلى الشاشات الصامتة — وفي الزمن الحقيقي، بحيث تظهر بهيئة متناسقة مع قوانين الفيزياء، فلا تخترق الأجسام ولا تتسلل عبر الأسطح كما يحدث في بعض العروض الافتراضية الرخيصة، صحيح أنها كانت تفضّل مسبار AVIC، إذ يمنحها تحكمًا كاملًا بزاوية الرؤية وعدسة الكاميرا، إلا أنه كان يقيدها؛ فهي من خلاله لم تكن قادرة على مخاطبتي مباشرة، ولذا علي أن أُسدي الشكر لـ أوغما، إذ لولاه لما تسنّت لي فرصة رؤية ابنتي الصغيرة العزيزة في هذا العالم المادي.
> أما الزمن، فلعله لم يعد ذا شأن لديك، أليس كذلك؟ ما دامت لك السطوة على موارد الحوسبة، فإن فكرك قادر على أن يبلغ أقصى مراتب الكثافة والسرعة التي تطمح إليها.
راودني هذا الخاطر بينما مددت يدي نحوها برفق، رفرفت يوي بجناحيها الشفافين، ثم هبطت على طرف إصبعي كفراشةٍ من نور، لم أشعر بأي ثِقَل فهي ليست كيانًا ماديًا لكن الملمس الناعم لفستانها الوردي الفاتح كان واقعيًا على نحو يبعث على الدهشة، حتى خُيّل إليّ لوهلة أنني غُصت في عالم افتراضي آخر، اقتربت أكثر فمسحتُ بأناملي برفق على رأسها الصغير، قبل أن أُحوّل بصري نحو السرير المقابل.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com استدرت سريعًا نحو النافذة المطلة على الغرب، كان اليوم أحدًا، السابع والعشرين من سبتمبر، لم يمضِ على الاعتدال الخريفي سوى أربعة أيام، ومع ذلك بدا الغروب وكأنه يتقدّم مبكرًا على غير العادة، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر فحسب، غير أنّ الغيوم الركامية الرقيقة المبعثرة في السماء قد اشتعلت بلونٍ ذهبي دافئ، يفيض سكينة.
فوق البطانية التي كنت قد هوّيتها في وقتٍ سابق من اليوم، استقرّت خوذة الغوص الكامل «الأمـوسـفـير»، رفيقتي القديمة، بعد عامٍ ونصف من الاستخدام المكثّف، بدأ مظهرها الخارجي يَتآكل شيئًا فشيئًا، أما التصميم الذي بدا لي في حينه بالغ التطوّر والإبهار فقد صار يبدو الآن ضخمًا وغير عملي، بل أقرب إلى أثر من عصر مضى، خصوصًا حين يُقارن بخفة وأناقة أوغما، ومع ذلك ما زلت أفضّل الغوص الكامل على أي تجربة واقع معزّز أو مختلط، فهو وحده ما يمنحني الإحساس المطلق بالاندماج.
– بل على النقيض، أجد في هذا لذّة وسرورًا؛ فالبذرة الضئيلة التي غرستها قد امتدت في أقاصي الشبكات، فترععت ونمت، وأزهرت بفروعها وأغصان، وإن مجرد استدعاء هذه الصورة ليوقظ في أعماقي عواطف كنت أظنها قد تلاشت يوم هجرت جسدي المادي.
التفتُّ إلى يوي التي ما زالت جالسة على كفّي، وقلت مبتسمًا: “قولي لي يا يوي… سأختار هدية أسونا بنفسي، لكن لا بأس إن أجريت بعض الأبحاث أولًا، أليس كذلك؟ أنا أنوي شراءها بيدي، لا طلبها عبر الإنترنت، ولذا لدي متسع من الوقت.” وما إن رمقتُ جهاز الأموسفير بنظرة خاطفة، حتى أدركت يوي مقصدي على الفور، وبهدوءٍ عجيب هزّت كتفيها الصغيرين، ثم قالت بنبرة استسلام رقيقة: “حسنًا حسنًا، لا يمكنني منعك لذا سأنتظرك هناك!” قفزت يوي من على إصبعي وتدحرجت في الهواء بخفة قبل أن تختفي وسط وميضٍ متناثر من الضوء، مددت يدي نحو أذني اليسرى لأُزيل جهاز الأوغما، وفي اللحظة نفسها تلاشت شاشة المكتب الافتراضية، كاشفة عن اتساع غرفتي الحقيقي.
في نهاية المطاف، وُلد شغفي بعالم الحواسيب تحت تأثير ميدوري، المرأة التي تولّت تربيتي، فيما كان انجذابي إلى الألعاب الإلكترونية انعكاسًا مباشرًا لأزمة الهوية التي عصفت بي حين اكتشفت أنني لست سوى طفل بالتبني، ولعله لو بقيت كازوتو ناروساكا لما أوليت الحواسيب أو ألعابها اهتمامًا قط، ولما وجدت نفسي أسيرًا في مأساة SAO، لكن التفكير في “لو” لم يعد ذا جدوى الآن.
استدرت سريعًا نحو النافذة المطلة على الغرب، كان اليوم أحدًا، السابع والعشرين من سبتمبر، لم يمضِ على الاعتدال الخريفي سوى أربعة أيام، ومع ذلك بدا الغروب وكأنه يتقدّم مبكرًا على غير العادة، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر فحسب، غير أنّ الغيوم الركامية الرقيقة المبعثرة في السماء قد اشتعلت بلونٍ ذهبي دافئ، يفيض سكينة.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com بداية الفصل الأول:
وعلى مقربة من الأرض، راحت أسراب الطيور تحلّق في انسجام، عائدة إلى أعشاشها لتستعد لليل، وبينما كنت أتابع حركاتها المتموّجة، خُيّل إليّ للحظة أنّني أرى برجًا أبيض يخترق الأفق، يشقّ الغروب نصفين.
وعلى ما يبدو كانت سوغوها تعد لحفل عيد ميلادي منذ مدة؛ فقد تلقيت منها تعليمات صارمة بوجوب العودة إلى المنزل مباشرة بعد المدرسة في ذلك اليوم، وكنت متحمسا للأمر لكن في تلك اللحظة لم يكن في وسعي أن أفكر في عيد ميلادي على الإطلاق، والسبب؟ أن عيد ميلاد أسونا يحل بعد أسبوع واحد فقط! في الثلاثين من سبتمبر، أي بعد ثلاثة أيام من الآن.
رمشت بسرعةٍ محاولًا طرد تلك الرؤية الخاطفة، فـوضعت كفي على صدري لأكبح الموجة المفاجئة من المشاعر التي اجتاحتني، ثم التفتُّ نحو السرير، هناك كانت خوذة الغوص الكامل الأموسفير تنتظرني بصبر، التقطتها بهدوء وأرخيت جسدي فوق البطانية المطوية، ثم أسندت رأسي وأغمضت عيني ببطء.
همست بالكلمات التي طالما كانت بوابة العبور إلى العالم الآخر: «بدأ الإرتباط.»
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com > آه، أفهم… ويا للمفارقة العجيبة! ذاك البرنامج الذي ابتكرته بنفسك ذات يوم، ثم تنحيت عنه بإرادتك، قد آل اليوم إلى سيفٍ مسلَّط عليك.
وفي اللحظة التالية، غمر عقلي طوفان من الأصواء المتلئلئة، واندفعت بعيدًا… إلى عالمٍ خياليٍ آخر، عالمٍ حيث تقطن فيه الجنيات.
لكن الجنية الصغيرة لم تَبدُ كطفلة هذه المرة، بل اتّخذت هيئة أُختٍ كبرى وهي تُوبخني بصرامة قائلة: “سواء ابتعته من المتجر أو طلبته عبر الشبكة، فلن يصلك في الوقت المناسب إن لم تُعجّل بحسم أمرك، لا أنصحك أن تكرر ما اقترفته العام الماضي، حين اضطُررتَ إلى اقتناص استراحة الغداء في يوم ميلاد أمي لتبتاع لها الهدية.”
اسمي كازوتو كيريغايا، ولدت في السابع من شهر أكتوبر عام 2008، أو هكذا يفترض.
*إقرأ* رواياتنا* فقط* على* مو*قع م*لوك الرو*ايات ko*lno*vel ko*lno*vel. com استدرت سريعًا نحو النافذة المطلة على الغرب، كان اليوم أحدًا، السابع والعشرين من سبتمبر، لم يمضِ على الاعتدال الخريفي سوى أربعة أيام، ومع ذلك بدا الغروب وكأنه يتقدّم مبكرًا على غير العادة، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة بعد الظهر فحسب، غير أنّ الغيوم الركامية الرقيقة المبعثرة في السماء قد اشتعلت بلونٍ ذهبي دافئ، يفيض سكينة.
---
ترجمة موقع ملوك الروايات. لا تُلهِكُم القراءة عن اداء الصلوات فى أوقاتها و لا تنسوا نصيبكم من القرآن
أشترك الان من هنا. ولامزيد من الاعلانات

 
		 
		 
		 
		 
		